نشرت جريدة النهار في عددها الصادر يوم السبت 6 آذار 2021 مقالة للدكتور رفيق بدوره الأستاذ في كليّة الطبّ في جامعة القدّيس يوسف في  بيروت

د. رفيق بدوره

لقد مر ما يقارب العام على إعلان أول حالة كورونا و وصلنا اليوم إلى أوج الوباء في وسط أزمة عميقة في القطاع الصحي تطال مختلف ركائزه. و ها نحن اليوم نطلق حملة وطنية للتلقيح في ظل غياب مقومات أي خطة يمكن إتباعها في هذا الشأن. 

و هذه المقومات محددة و تتضمن: 

1. إحصاء عدد المستفدين من أجل تحديد عدد اللقاحات المطلوب تأمينه وصولا للمناعة المجتمعبة المرتقبة بما يؤمن إحتواء الوباء  

2. السعي لدى الشركات المصنعة للقاحات للحصول على الكميات المطلوبة وفقا لجدول زمني يمكن فعلا من إحتواء الوباء  

3. تحديد أماكن تواجد المستفدين على الخريطة اللبنانية و سبل إيصال اللقاح لديهم

4. تحديد الموارد البشرية و المادية لتوفير الأمور اللوجيستية لتوزيع اللقاحات

5. إعتماد آلية لتقييم المسار و تصويبه وصولا إلى الهدف المنشود في الوقت المناسب في غياب هذه المقومات يصعب التكلم عن خطة.

ما هو متوفر حتى هذه اللحظة هو المنصة. طبعا المنصة كما صممت وفقا لتوصيات الهيئات الدولية تساهم في ضبط عملية توزيع اللقاح و لكنها لا تضمن وصول اللقاح بالكميات اللازمة إلى كل من هم بحاجة إليه في ظل إفتقاد نسبة عالية من المواطنين لوسائل التواصل من خلال المنصة و عدم توفر القدرات اللازمة لتفعيل الخط الساخن إستجابة للمواطنين. 

ما نفتقده حتى اللحظة هو:

1. مقاربة شفافة للشركات المصنعة للقاحات للحصول على الكمية المطلوبة و فقا لجدول زمني واضح يمكن من الوصول للهدف المنشود خلال هذا العام في إحتواء الوباء.

2. وسائل التواصل الداعمة للمنصة بين المواطن من جهة و مكونات القطاع الصحي المولجة في عملية التلقيح من جهة أخرى.

3. المواكبة الاعلامية الممنهجة للحملة لحث من هم مترددين أو رافضين للقاح لأعادة النظر في مواقفهم من أجل مقتضيات الصحة العامة للتمكن من إحتواء الوباء خلال الفترة الزمنية المطلوبة. 

4. إرساء أسس للتعاون بين القطاعين العام و الخاص في توفير و توزيع الكميات المطلوبة من اللقاحات وفقا لخريطة صحية تختصر المسافة بين المواطن و مراكز توزيع اللقاح وصولا إلى إعتماد العيادات النقالة إذا إقتدت الحاجة في بعض المناطق.

5. إعتماد منهجية لتتبع الوباء بالتزامن مع حملة التلقيح ترقبا لمتغيرات الفيروس المحتملة و استتباع الترصد الوبائي المنهجي بالتزامن مع عودة الحياة الاجتماعية و الاقتصادية إلى طبيعتها.

لطالما إفتقدنا لتلك المقومات لطالما يصعب التكلم عن خطة. ألمنصة و سيلة جيدة جدا لضبط امور عديدة و توفير حيز من الرقابة و الشفافية إلا أنها لا تغني عن ضرورة توفيرسائر مكونات الخطة كي نتكلم فعلا عن خطة وفقا لمفكرة صحية زمنية محددة لهذا العام. 

لهذه الغاية لا بد من تقويم العلاقة بين القطاعين العام و الخاص من أجل حشد كل الطاقات للتمكن من توفير القدرات البشرية و المادية ليس فقط لوضع الخطة بل أيضا لتطبيقها وفقا لمتطلبات إحتواء الوباء.

من هذا المنطلق يمكن القول أنه بقدر ما تتوحد مكونات المجتمع من هيئات قطاعية و إجتماعية و إقتصادية بقدر ما تتمكن من تصويب العلاقة مع القطاع العام. 

و في المقابل بقدر ما يتمكن القطاع العام من إستعادة ثقة المجتمع بكافة مكوناته بقدر ما يتمكن من إشراك قدرات القطاع الخاص في مواجهة الوباء.

لذلك لا بد من أي هيئة وطنية أن تتميز في مكوناتها بقدرتها على إشراك القطاعين العام و الخاص و فقا لمسؤولية كل قطاع و بناء على مرتكزات الحوكمة الشفافة. تشكل المنصة وسيلة حميدة لتوفيرجزء يسير من الشفافية في توزيع اللقاح. لكن لا بد من حوكمة بديلة للجنة الوطنية توفر الشراكة المطلوبة بين القطاعين العام و الخاص في رسم و تنفيذ الخطة الوطنية داخليا و التنسيق المبرمج مع المؤسسات الدولية حول الجوانب الدولية لاحتواء الوباء بعد الانتهاء من مرحلة التلقيح.

كليّة الطبّ جامعة القدّيس يوسف في بيروت