سمحوا لنا بأن نشعر بالأمل. بأن نشعر بالفرح، وأمل عودة المغتربين، واسترجاع أموال المودعين ومحاسبة من تسبب بقتل أبناء الوطن يوم الرابع من آب سنة ٢٠٢٠. بعد عقود من اللامبالاة، الفساد والزبائنية، من الحقد الطائفي والصراعات على المناصب وكراسي الحكم، أصبح أصغر بصيص نور بوجه ظلام دام لسنوات يملئ قلوبنا بالرجاء.
بعد انتخاب العماد جوزيف عون رئيسًا للجمهورية اللبنانية وتعيين القاضي نوّاف سلام رئيس أولى حكومات عهد الإنقاذ، قيل لنا عبر الصحف والديبلوماسيين العرب والغربيين، وأصحاب المصالح والمال ورجال السياسة والقرار: «اصبروا، الفرج أصبح قريب!" أي فرج، وهناك من نسى أو تناسى استمرار جيش أجنبي يتميز بحوشيته وعدم التزامه بالمواثيق الدولية، احتلال واغتصاب أراضٍ شاسعة من الجنوب اللبناني العزيز على قلوبنا وأرواحنا ووجداننا. فمن شواطئ صور انطلق قدموس مصطحباً معه أولى الأبجديات فنشرَ الحرفَ في العالمِ أسرِهِ. الجنوب، الشاهد الأول على معجزات يسوع المسيح ورحلاته التبشيرية. الجنوب أيضاً، صاحب الجرح الدائم، منذ سنة ١٩٤٨ والنكبة، وما رافقها من مجازر أصابت قرى جنوبية، مروراً بمجزرتي قانا وصولاً إلى كوارث الحرب الأخيرة.
أي فرج، وما زال المال يتحكم بأفواه الإعلاميين، وبأقلام الصحفيين، وبضمائر المثقفين؟ الآدمي أصبح من "الزعران" ومالكي الشقق المسروقة، والملايين المنهوبة، والأفكار الشيطانية، باتوا من الضيوف الدائمين على شاشات التلفزة، ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي.
أي فرج، وقد تبدل الزمن، إلى حدّ باتت أصوات المقترعين تصب لمصلحة زعماء الطوائف، وقادة الميليشيات السابقين والحاليين؟ زمن نجد فيه أمراء حرب، متمسكين بمناصبهم الحكومية، البرلمانية والرئاسية، يعرقلون سير العمل الديموقراطي الحر، وبمساعدة رجال الدين، يرسمون خطوط حمر عريضة تحمي من الملاحقة القضائية أزلامهم؟
وما حال الجندي اللبناني، أو كما وصفته باسكال صقر في إحدى أعمالها الوطنية ب "ركن الدار"، والحاضر الدائم على الجبهات وعلى الحدود البرية، البحرية والجوية، ما حاله وراتبه الشهري بالكاد كافي بأن يؤمن له ولعائلته متطلبات الحياة الأساسية، من علم، ثياب، غذاء وترفيه؟ نعم يا سادة، ضامن استقلالنا، وأمننا، وليالينا المظلمة، اضطرّ بأن يقوم بعمل ثاني وثالث، وأحياناً رابع، إلى جانب خدمته العسكرية التي لا تعرف ساعات دوام ثابتة، من أجل دفع قسط ولد من أولاده في إحدى المدارس أو المعاهد.
الأمل القاتل، هكذا يمكن وصف حالة النشوة المؤقتة المنتشرة بين الشعب اللبناني بمختلف انتماءاته ومعتقداته. الأمل القاتل، الحالة المرضية التي تجعل صاحب حق أن يتجاهل حقه، وصاحب مبدأ أن ينكر مبادئه، ونائب، وزير أو رئيس أن يستغل مشاعر مواطن من أجل مكاسب مادية أو معنوية.
الأمل القاتل، الأمل الكذّاب وما يرافقه من آثار سلبية على مجتمعاتنا، يشكل خطر أكبر مما تمثله الحركة الصهيونية من عنصرية، ومما يمثله المال من عهر إعلامي، ثقافي وأخلاقي. الأمل القاتل، آفة يجب إيجاد حلّ أو علاج لها، تبدأ بخطة عمل حكومية تلبي تطلعات أفراد مجتمع وطننا، تكرّس الحريات الشخصية وتضمن حماية الحقوق والواجبات. وتنتهي ببناء دولة علمانية، تنبذ الأحقاد الطائفية وتحافظ على الأقليات، وما تشكل من غنى روحي وفكري. ومن هنا يمكن الحديث عن أمل حقيقي، شفاف وواضح.